المناخ والبصمة الكربونية للمنتجات
مراجع ومدرب نظم الإدارة المتكاملة
مؤسس منصة ومجلة الجودة للجميع
يُعرف المناخ عادةً بأنه “الطقس المعتاد” في مكان ما خلال فترة زمنية معينة تتراوح بين عدة أشهر إلى آلاف أو ملايين السنين. وتعتبر الفترة التقليدية هي 30 عاماً. ويشمل مصطلح المناخ أنماط درجة الحرارة وهطول الأمطار والرطوبة والرياح والمواسم المختلفة. وتلعب الأنماط المناخية دوراً محورياً في تشكيل الأنظمة الطبيعية، وكذلك الاقتصادات والثقافات البشرية التي تعتمد عليها ويتمثل التغير المناخي في عدة طرق مختلفة من بينها التغيرات في درجة الحرارة، ومعدلات هطول الأمطار، ومنسوب مياه البحر، فضلًا عن التغير الطبيعي الملاحظ خلال فترات زمنية مماثلة.
ونظرا لما قد يمثله تغيُّر المناخ تهديدا مُحدقا قد يكون غير قابل للانعكاس تواجهه المجتمعات البشرية ويواجه كوكبنا. واعترافاً بذلك اعتمدت الغالبية الساحقة من البلدان في جميع أنحاء العالم اتفاق باريس في ديسمبر 2015 ، الذي يتضمن هدفه المحوري مواصلة الجهود لقصْر الارتفاع في درجة الحرارة العالمية على1.5) درجة مئوية( ودعت هذه البلدان أيضاً، في قيامها بذلك، ومن خلال اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ ( UNFCCC ) ألزمت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ) IPCC ) إلى تقديم تقرير خاص عن آثار الاحترار العالمي الذي يتجاوز مستويات ما قبل ، العصر والمسارات العالمية لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري ذات الصلة.
وتشير الدراسات الدولية إلى تغير المناخ في الوقت الحالي يسير بوتيرة أسرع من أي وقت مضى، مع ما لهذا من تأثيرات سلبية. ويُظهر تحليل العينات الجليدية الجوفية في القارة القطبية الجنوبية أن مستويات تركيز ثاني أكسيد الكربون ( CO2 ) كانت مستقرة خلال الألفية الماضية وحتى أوائل القرن التاسع عشر، قبل أن تبدأ في الارتفاع لتصل الآن إلى أكثر مما كانت عليه قبل الثورة الصناعية بحوالي 40 % وتؤكد القياسات الأخرى ) مثل بيانات النظائر) وإن الزيادة ترجع قطعاً إلى انبعاثات ثاني أكسيد الكربون نتيجة استخدام الوقود الأحفوري وإزالة الغابات.
كما تؤكد قياسات العينات الجليدية الجوفية الأقدم أن حجم ومعدل الزيادة الأخيرة لم يسبق له مثيل بشكل شبه مؤكد وهذا ما دعي الي مراقبة نسبة الانبعاثات
الكربونية الناتجة عن أي نشاط بالكره الأرضية لما لها من تأثيرات جسيمة علي البيئة
تؤدي إلي تدهورها من خلال ظاهرة الاحتباس الحراري ( Global Warming) والتي تسببت
في أن يشهد العالم علي مدار العشرين عاما الماضية تصاعدا مستمرا في درجات حرارة في
فصل الصيف بجانب ارتفاع المياه في البحار والمحيطات والذي يمثل تهديدا كبيرا يتمثل
في اندثار بعض المدن الساحلية المنخفضة على مستوي العالم وهو ما دفع البعض في الإعلان
عن ذلك صراحة في قمة المناخ السابقة التي تناولت ضرورة قصْر الاحترار العالمي على 1.5 درجة مئوية والذي يتطلب تخفيضات كبيرة في
انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في كافة القطاعات .
ولكن القطاعات المختلفة
ليست مستقلة عن بعضها البعض، وإجراء تغييرات في أحد القطاعات قد تكون له آثار في قطاع
آخر. فعلى سبيل المثال ، إذا استخدمنا كمجتمع قدراً كبيراً من الطاقة، فإن هذا قد يعني
أن لدينا مرونة أقل في اختيار خيارات التخفيف المتاحة لقصْر الاحترار على 1.5 درجة
مئوية. أما إذا استخدمنا قدراً أقل من الطاقة، فإن اختيار الإجراءات الممكنة يزيد.
فمن الممكن، على سبيل المثال أن نُصبح أقل اعتماداً على التكنولوجيات التي تُزيل ثاني
أكسيد الكربون ( CO2
) من الغلاف الجوي ولتثبيت درجة
الحرارة العالمية عند أي مستوى، سيلزم خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الصافية إلى
صفر ، وهذا يعني أن كمية ثاني أكسيد الكربون التي تدخل الغلاف الجوي يجب أن تكون مساوية
لكمية ثاني أكسيد الكربون التي تُزال منه. لتحقيق التوازن وسيلزم انخفاض الانبعاثات
بسرعة على نطاق كافة قطاعات المجتمع الرئيسية، بما في ذلك المباني والصناعة والنقل
والطاقة والزراعة والاستخدامات
الأخرى
للأراضي
والإجراءات التي يمكن أن تحدّ من الانبعاثات تشتمل مثلاً :
1 - الإنهاء التدريجي
لاستخدام
الفحم
في
قطاع
الطاقة .
2 - زيادة
كمية
الطاقة
المنتجة
من
المصادر
المتجددة وكهربة
النقل والاعتماد علي
وسائل النقل الجماعي .
3 - شراء الأجهزة والمعدات
ذات الكفاءة العالية .
4 - التقليل من النفايات
.
5 - تشييد
المباني الخضراء ( الصديقة للبيئة ) .
6 - العمل علي معالجة المنتجات كثيفة استخدام الطاقة وكثيفة غازات الاحتباس الحراري من خلال
تغييرات السلوك وأساليب الحياة .
وهناك نوعان رئيسيان من إزالة ثاني أكسيد الكربون :
1 - إما تعزيز العمليات الطبيعية القائمة التي تزيل الكربون من الغلاف الجوي مثلاً
( بزيادة امتصاص الأشجار أو التربة أو مصارف الكربون الأخرى له ) .
2 - أو استخدام عمليات كيميائية، مثلاً لامتصاص ثاني أكسيد الكربون مباشرةً من الهواء المحيط وتخزينه
في مكان آخر ( تحت الأرض مثلاً ) .
وكافة طرائق إزالة ثاني أكسيد الكربون تختلف مراحل التطوير التي بلغتها
وبعضها مفاهيمي أكثر من غيره ، ولم تُختبر على نطاق كبير , وحتى الآن لم تثبت جدوى هذه التقنيات على نطاق كبير .
وتعد انبعاثات
غاز ثاني أكسيد الكربون (CO2) الناتجة عن نشاطاتنا المتنوعة واحدة من العوامل الرئيسية المسببة
لظاهرة الاحتباس الحراري (Global Warming)، وما لها من علاقة مباشرة في تدهور المناخ في
العالم. وبناء على ذلك تكمن أهمية قياس معدلات انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون والتي
يستدل منها على مدى مساهمتنا السلبية في زيادة الأحمال البيئية وللسيطرة عليه تتطلب
وجود مجموعة من البرامج الفنية لمساعدة هذه المصانع لتخفيض الانبعاثات الكربونية في
عمليات الإنتاج المختلفة من هنا ظهر ما يسمى بالبصمة الكربونية .
البصمة الكربونية ( Carbon Footprint ) :
هي عبارة عن مؤشر يتم من خلاله التعبير عن كمية انبعاثات
غاز ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن أي نشاط سواء من الفرد أو المؤسسات أو الشركات
أو الدول من خلال تتبع عمليات انتاج أو تصنيع منتج معين أو تقديم خدمة معينة بكافة
مراحلها والمواد الأولية التي تصنع منها والناتجة عنها بالإضافة لكيفية التخلص من تلك المنتجات مستقبلا ، ويعبر عنها بوحدة الطن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في السنة (Ton/Year)
وهناك نوعان من الانبعاثات الكربونية الواجب قياسها
ومتابعتها ،
-
الانبعاثات الكربونية المباشرة :
الانبعاثات المباشرة لغاز ثاني أكسيد الكربون تلك الناتجة عن حرق الوقود
الأحفوري ( النفط والغاز الطبيعي والفحم الحجري ) المستخدم في إنتاج الطاقة الكهربائية ووسائل النقل (سيارات، طائرات، قطارات)
والأنشطة الصناعية من خلال هذه البصمة يمكننا مباشرة التحكم في كمية انبعاثاتنا.
-
الانبعاثات الكربونية الغير مباشرة
:
الانبعاثات غير المباشرة لغاز ثاني أكسيد الكربون تلك الناتجة عن دورة حياة المنتجات التي نستخدمها
(من مرحلة استخراج المواد الأولية إلى مرحلة التصنيع وصولا إلى مرحلة النقل والتوزيع النهائية)،
وهي تكون متعلقة بشكل رئيسي بعمليات التصنيع. بشكل آخر، كلما زاد شراؤنا للمنتجات كلما زادت
كمية الانبعاثات .
معايير وطرق التعامل مع البصمة الكربونية للمنتجات (PCF )
استجابة للحاجة إلى الشفافية حول انبعاثات غازات
الاحتباس الحراري (GHG) Green House Gases من المنتجات ، تم تطوير العديد من المنهجيات في
نقاط زمنية مختلفة ومن قبل منظمات دولية مختلفة والتي تبين المعايير الدولية
الاساسية للتعامل مع البصمة الكربونية للمنتجات والتي يمكن تقسيمها إلي مجموعتين كالتالي :
المجموعة
الأولي:
وهي خاصة بالمنهجيات ذات الموضوع الواحد ، التي تغطي فقط
الانبعاثات والآثار المتعلقة بتغير المناخ .
وتتضح
من خلال استخدام المعايير التالية :
1 – معيار المواصفة الدولية ISO 14067:2018 والذي يمكن اعتباره المعيار المرجعي الدولي
لإجراء PCF
2 - المعايير الوطنية مثل PAS 2050 والتي طورها المعهد البريطاني للمعايير (BSI (
والذي دخل حيز التنفيذ في أكتوبر 2008 وتم تنقيحه في 2011. يستخدم PAS 2050 على
نطاق واسع ويعتبر أول معيار بصمة كربونية
مستخدم دوليًا .
3 - معيار المنتج بروتوكول غازات الدفيئة GHG , وتم إنشاء هذا المعيار من قبل
( ( WRI / WBCSD وتم نشره في أكتوبر 2011 وقد تم تطويره ليكون متسقًا مع الإصدار الأول
من PAS 2050 مع اختلاف أن معيار منتج بروتوكول GHG يشتمل على متطلبات الإبلاغ العام
ويوفر معايير إضافية لتقييم الشركات والحسابات المتعلقة بالمشروع .
وهي
خاصة بالمنهجيات التي لها نطاق
أوسع ، وتغطي القضايا البيئية خارج نطاق تغير المناخ. ويمكنك استخدام مؤشر تغير المناخ من هذه المنهجيات لتحديد PCF, وتتضح
من خلال استخدام المعايير التالية :
1 - البصمة البيئية للمنتج (PEF)
تهدف هذه الطريقة التي يوصى بها الاتحاد الأوروبي
لإجراء دراسات تقييم دورة الحياة إلى مواءمة معايير تقييم دورة الحياة الحالية ويتطلب احتساب 16 فئة تأثير ، لكن بعض المقترحات
التشريعية الحالية توصي بالطريقة مع تغير المناخ كمؤشر وحيد للإبلاغ عن PCF.
2 - المعايير الوطنية مثل( BP X30-323-0 )
تم تطوير هذا المعيار من قبل الحكومة الفرنسية (AFNOR) ، وتم اختباره في عام 2011 وتم
الانتهاء منه في عام 2015. على غرار PEF ، فإنه يغطي عددًا من فئات التأثير, يمكن الإبلاغ عن
مؤشر تغير المناخ بشكل منفصل إذا
لزم الأمر .
3 – معيار المواصفة EN 15804
وهو المعيار الأوروبي الذي يوفر قواعد فئة المنتجات الأساسية لجميع منتجات وخدمات البناء مثل
الأساليب الأخرى متعددة المعايير فإنه يغطي مجموعة من مؤشرات الأثر البيئي الإلزامية ، بما في ذلك
تغير المناخ بينما يجب حساب جميع المؤشرات البيئية والإبلاغ عنها ، ويمكن استخدام مؤشر تغير المناخ
لتحديد البصمة الكربونية للمنتج في النطاق .
علما بأن جميع المعايير المذكورة أعلاه مبنية على المبادئ المنصوص عليها في
( ISO 14040 & ISO 14044) كما أنها تسعى إلى التوافق مع أحدث التقارير الصادرة عن الهيئة
الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ وعلى الرغم من أن المنهجيات ليست متطابقة ، إلا أن مطوريها
( ISO , BSI , AFNOR , WRI/WBCSD , المفوضية الأوربية ) يهدفون جميعا إلى زيادة التوافق
بين منهاجياتهم المختلفة .
ومع وجود هذا الكم
الكبير من المعايير والجهود المبذولة لتبسيط البصمة الكربونية للمنتجات والذي يلقي
مؤخرا اهتماما كبيرا محليا ودوليا إلا أنه لا توجد منهجية محددة يمكن استخدامها في
الوصول للهدف ولكن يمكن تحديد عدة خطوات نستطيع من خلالها اختيار المنهجية المثلي
للتطبيق المتميز
أولا : يجب
تحديد الهدف من قياس البصمة الكربونية للمنتجات :
هل الهدف من ذلك التواصل
الداخلي أم ستستخدم للإبلاغ العام أو للوفاء بالمتطلبات التشريعية أو للمتطلبات
الخضراء الخارجية وماهو الحيز الجغرافي الذي سيتم الإعلان عن النتائج فيه .
ثانيا : تحديد
الأولويات والفرص الأكثر صلة للتطبيق :
استنادًا إلى البحث المكتبي والمعرفة الداخلية
(والخارجية) والمدخلات من أصحاب المصلحة الداخليين ، يمكن الوقوف علي التصور
العام للأولويات ذات الصلة في القطاعات
المختلفة التي سوف تشارك في تطبيق المعيار داخل المؤسسة أو الشركة الساعية لاختيار
معيار محدد , ويجب أن يتضمن هذا التصور موضوعات مثل مبادرات
القطاعات الحالية ، والقواعد الخاصة بالمنتج ، وما تفعله الحكومات الوطنية
والدولية والسياسات والاستراتيجيات الداخلية للمؤسسة .
ثالثا اتباع شجرة القرار التالية لاختيار
معيار أو منهجية بصمة الكربون :
يمكننا اعتبار ISO 14067 نظامًا شاملاً :
إذا لم يتم اتباع لائحة محددة ، فيمكن استخدام ISO 14067 كأساس ، كأحدث معيار معترف به دوليًا
متاح اليوم ويمكن بسهولة ترجمة دراسة ISO 14067 إلى دراسة LCA أوسع تتوافق
مع متطلبات ( ISO 14040 & ISO 14044) .
إذا كانت المنهجية القياسية ISO 14067 تحتوي على تفاصيل غير كافية
فيمكن دائمًا العثور على إرشادات إضافية في المنهجيات الأكثر تفصيلاً مثل بروتوكول غازات الدفيئة أو
طريقة PEF أو BPX30-323-0 ولا يمكن ضمان استنساخ دراسات البصمة الكربونية وقابليتها
للمقارنة إلا بتطبيق قواعد صارمة. إذا كان هذا هو هدف المؤسسة أو الشركة ، فإن استخدام منهجيات
أكثر صرامة يكون أكثر
ملاءمة ، مثل قواعد فئة المنتج المحددة التي تم تطويرها في سياق PEF أو BPX.
ويمكن أن تساعدك الخطوات المذكورة أعلاه في اختيار المعيار الذي يقدم أفضل إرشادات لأي منشأة
أو شركة عند إجراء دراسات PCF وتوفير المصداقية لمقاييس البصمة الكربونية للمنشأة. بمجرد أن
يصبح هدفك واضحًا ، يمكن أن تساعدك كل من منهجيات PCF القوية الموضحة أعلاه في جعل تقاريرك
ذات صلة بالأعمال ، وتقليل الكربون ، وإنشاء محركات
جديدة لقيمة الأعمال .
نستكمل إن شاء الله قريبا
مهندس زراعى / احمد رشيدى عبده
مؤسس منصة ومجلة الجودة للجميع