للحوكمة صور أخرى
د. ميرفت حسين السيد
مراجع داخلي معتمد CIA - مراقب التزام معتمد CCO
دكتوراه في التمويل والاستثمار
جاءت نشأت قواعد الحوكمة
في العقود القليلة الماضية بعد أعقاب الأنهيارات الأقتصادية العالمية في أعقاب
القرن العشرين، بناءا على تلك الانهيارات حاول الاقتصاد الأمريكى تصحيح بعض
المسارات في السوق المالى العالمى، وهو ما دعي الاقتصاد الدولي للبحث عن اطار يحكم
وبنظم عمل الشركات وخاصة بعد أعقاب الانهيارات المالية الكبرى للشركات الأمريكية
في عام 2002 مثل المخالفات الجنائية بشركة أنرونEnron، وشركة World com،
وظهور مشكلة الوكالة بين
القائمين على الادارة (متخذي القرار) وبين اصحاب المال" فقد زاد الاهتمام بحوكمة الشركات للقضاء على
الفساد المالي والاداري الذي واجهته العديد من الشركاتوصدور بعض التشريعات
والتقارير مثل تقرير ادريان كادبوري في عام 1991، وقانون ساربينز أوكسلي Oxley
act في عام 2002.
هذا
وقد عرفت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD الحوكمة
بأنها " مجموعة من العلاقات التنظيمية
فيما بين القائمين على ادارة الشركة ومجلس الادارة وحملة الأسهم وغيرهم من
المساهمين".
والذي أعقبه الاهتمام
العالمي بتطبيق قواعد الحوكمة على المؤسسات المالية. وبدأت الاستجابة التشريعية الاولى في مصر لتطبيق الحوكمة
كنظام قانوني مستقل في عام 2005 ووفقا لقرار وزير الاستثمار رقم 332 بشأن اصدار
قواعد ومعايير حوكمة الشركات الخاضعة لقانون رقم 159 لسنة 1981 والتي جاءت متناغمة
مع مبادئ منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الى أن أخذت الاطار الالزامي بين
البنوك والشركات الخاضعة لاشرف هيئة الرقابة المالية، والشركات العاملة في مجال
الأوراق المالية كأحد متطلبات استمرار الترخيص ومزاولة النشاط OECD
ويمكن
تعريف قواعد
الحوكمة بأنها "اطار
متكامل لكافة أعمال المؤسسة ينظم عمله مجموعة من الأساليب التطبيقية والتوجيهية
التي تقود المؤسسة لتحقيق أهدافها وبما يضمن الحفاظ على حقوق أصحاب المصالح
والالتزام بقواعد الإفصاح والشفافية وكافة المتطلبات القانونية التي تخضع لها
المؤسسة، من خلال إيجاد علاقات متوازنة بين الأطراف ذات العلاقة بالمؤسسة (داخليا
وخارجيا) والتي تهدف في مجملها الى الحفاظ على استثمارات المؤسسة والعمل على تحقيق
تنمية مستدامة ومنافع أقتصادية واستراتيجية على مستوى المؤسسة والأقتصاد ككل".
وبموجب
اصدار قواعد الحوكمة والالزام بها فقد أوجب تطبيق هذه القواعد قيام الشركات بتشكيل
مجموعة من اللجان الاشرافية المشكلة من أعضاء مجلس الادارة ، بالاضافة الى ضرورة
الالتزام بوجود مجموعة من الوظائف الالزامية بهذه القواعد حفاظا على بقاء ترخيصها
واستمرارية عملها دون الوقوع في مخالفات جسيمة.
إلا
أننا نجد أن بعض الشركات الصغيرة التي تخضع لإشراف هيئة الرقابة المالية قد اضطرت حفاظا
على استمراريتها وبقاءها بالسوق دون التعرض للشطب، أو الوقف عن العمل وإلغاء
الترخيص من الرقيب إلى الالتزام الصوري لقواعد الحوكمة بتشكيل لجان صورية وشغل
وظائف غير حقيقية لمجرد استيفاء متطلبات الرقيب، بلا واقع فعلي.
أن التطبيق الفعلي لقواعد الحوكمة بهذه الشركات سيكبدها
الكثير من النفقات والأعباء الاضافية التي تفوق مواردها وتضطر إلى أن تتحملها نظير
بقاءها بالسوق، دون التعرض للشطب أو المخالفة.
أن تطبيق قواعد الحوكمة
جاء في الأصل لتحقيق التنمية المستدامة لهذه الشركات، لكن حين الالزام بهذه
القواعد لابد وأن تطبق بأصول صحيحة، ومناسبة لطبيعة وحجم موارد كل مؤسسة وأن تكون
قادرة على تحملها، دون أن تلجأ إلى التجميل لكي يستمر الترخيص.
وعلى النقيض؛ أيضا نجد
أن تطبيق قواعد الحوكمة ببعض المؤسسات الكبيرة بسوق المال ليس إلا مجرد مصالح تتلاقى فيما بينها وتتصالح . والبعد كل البعد عن تحقيق الأهداف التي وجدت لأجلها قواعد الحوكمة
وأبرزها؛ مساءلة أعضاء
مجلس الادارة عن الأداء وتحليل الانحرفات،
وتوزيع مسئولية الرقابة بين
مجلس ادارة الشركة والمساهمين.، تعظيم قيمة المؤسسة من خلال الحفاظ على حقوق أصحاب المصالح والرقابة على
الأداء.
في
حين نجد أيضا أن بعض المؤسسات الكبرى يذهب أعضاءها التنفيذيين بالانفراد بالقرارات
التي لها أكبر الاثر على استقرار الكيان دون الرجوع إلى تفويض من مجلس الادارة في
اعتماد هذه القرارات، وذلك في ظل غياب المساءلة الحقيقية من أعضاء مجلس
الادارة أو المساهمين للأعضاء التنفيذين.
أن تطبيق قواعد الحوكمة بموجبها يُساءل الأعضاء التنفذيين
أمام مجلس الادارة عن أداء العمل التنفيذي، ليكون المجلس بأكمله مُساءل أمام كافة
المساهمين عن أداءهم عن هذه الأعمال سنوياً خلال مدة توليهم ادارة المجلس.
لذا
لابد وأن نعلم أن الالزام بتطبيق قواعد الحوكمة ليس لمجرد اكتمال الصورة بل أن
الهدف منها هو تحقيق تنمية مستدامة حقيقية وتعزيز الشفافية والعدالة بسوق المال،
والتشجيع على الاستثمار، وليس مجرد مشهد من فيلم تمثيلي "أنا لا أكذب ولكني
أتجمل".
فللحوكمة صور أخرى يجب تجنبها أما أهدفها الحقيقية فنأمل
تحقيقها فعلياً ،،،