من أجل دواء آمن
مقدمة :
غالبًا ما يتميز مستخدم الدَّواء بالسمع والطاعة لما يمليه عليه الأطباء والصيادلة باعتبارهم متخصصون مؤتمنون على صحة المريض وحياته و لهذه الثقة يتضح القصور المبرر لدى المرضى في معرفتهم للدواء الموصوف وطبيعته وأثره على الجسم والكثير منهم لا يفكرون فيمن أنتج الدَّواء وكيفية وظروف إنتاجه وأن ما يهمهم هو الأمل والتطلع في الشفاء .
ومن هذا المنطلق تبدأ رحلة الصيدلي مع هذا الدَّواء الآمن والفعال بدراسة مستفيضة للمرض المراد القضاء أو السيطرة عليه ثم تأتي فكرة التصنيع بملاحظة النباتات الطبية أو الأحياء البحرية أو السموم مثل سموم الثعابين وغيرها أو أي مادة سبق استخدامها في أية منطقة وفي أي وقت وتجري عليها الاختبارات المختلفة داخل مراكز الأبحاث الدوائية بشركات ومصانع إنتاج الدَّواء .
ويعتمد تصميم (أدوية جديدة) على مدي معرفة التداخل بين الدَّواء وبين النظام البيولوجي. وكلما توصل علماء الكيمياء والفرماكولوجي والفسيولوجي إلى نقاط محددة لهذا التداخل أمكن إحداث التحويرات في تصميم الأدوية لتتفاعل مع هذه النقاط بطريقة تؤدي إلى التغيير في المسارات الخلوية وفي الاتجاه المستهدف(علاج مرض أو تغيير في وظيفة من وظائف الجسم) ثم يتم تطوير المستحضرات المختلفة السابق اكتشافها بحيث تزيد الفعالية وتقل الآثار الجانبية ويتم ذلك وفق نظم علمية متعارف عليها في صناعة الدَّواء .
ومن الفكرة إلى الاستخدام تبرز التزامات الصيدلي ومسؤوليته المدنية في مجال صناعة الدَّواء وسوف نسردها عليكم على جزأين ألأول منها يختص بالالتزامات الثلاثة الأولى والجزء الثاني يختص بالالتزام الرابع والالتزامات هي :-
- التزامات الصانع في مرحلة ما قبل التشغيل.
- التزامات الصانع في مرحلة التشغيل.
- التزامات الصانع بعد الإنتاج.
- التزام الصانع بالمراقبة في جميع المراحل إلى ما بعد البيع.
أولا : التزامات الصانع في مرحلة ما قبل التشغيل :
لا يقتصر دور الطبيب على تشخيص المرض ووصف العلاج، ولا يقتصر دور الصيدلي على صناعة روتينية أو توزيع وبيع للدواء، بل يتعدى دورهم وتستمد أهميتهم الحقيقية في التزامهم بالدراسة والبحث لتوفير دواء آمن وفعال وسهل الاستخدام وبالسعر المناسب .
وتأتي عملية البحث العلمي كالتزام أدبي واجتماعي بالدرجة الأولي من قبل الشركات والمصانع المنتجة والدول ممثلة في الحكومات من أجل التوصل إلى مستحضرات جديدة وتطوير المستحضرات المكتشفة مسبقاً وتصنيعها لتحقيق الفائدة القصوى من المادة الدوائية و العمل على شفاء الأمراض ووقاية المرضي وتخفيف آلامهم و لضمان دواء خالي من العيوب والسلبيات والآثار الجانبية .
كما أن اختلال العملية البحثية وتأثيرها بالسلب على إنتاج الدَّواء كمًا أو كيفًا إنما يمثل خطأ يوجب المسئولية على كافة أطراف البحث العلمي .
كما يلتزم الصانع في هذه المرحلة بتوفير المادة الخام اللازمة لصناعة مضمونة الجودة والفعالية والأمان، وفي حالة التمكن من إثبات عدم جودة المادة الخام، أو كانت صالحة وساءت بسبب الخطأ في التخزين، أو لأي سبب آخر يصبح الصيدلي الصانع مسئولا عن أي ضرر لمستخدمي الأدوية من المرضى سواء أدى ذلك إلى تأخر في حالة المريض الصحية أو عدم استجابته للعلاج.
كما يلتزم الصانع في هذه المرحلة بتوفير جميع أدوات الإنتاج سواء الأجهزة المستخدمة في التصنيع، أو التحليل، أو الرقابة، أو الحفظ وأن تكون في حالة صالحة للاستخدام والاطمئنان لنوعية العاملين والفنيين، ودرجة إجادتهم، وإدراكهم، ومؤهلاتهم العلمية، ودقة تخصصهم حتى لا يحدث قصور يوجب المسئولية عليهم كل حسب درجته .
ثانيا : التزامات الصانع في مرحلة التشغيل :
تبدأ التزامات الصانع في مرحلة التشغيل بإعداد الملف الخاص للمنتج الدوائي من حيث :
نسب مكونات العناصر الداخلة في تصنيع وتصميم و شكل المنتج ( سائل شرب، أقراص، كبسولات، حقن، مراهم، لبوس.. الخ) وشروط ومعدلات وكيفية الاستخدام، والأثر الطبي الفعال، وموانع الاستعمال والآثار الجانبية وذلك بغرض تسجيله لدى وزارة الصحة ولو ثبت التقصير في هذه الالتزامات فإن ذلك يثير المسئولية ضد الصيدلي الصانع في مواجهة المضرورين .
"ولتأكيد الجودة، والإتقان والخواص العلاجية الفاعلة عن طريق خلق الوعي، وإثارة الطلب لدى المتعاملين مع الدَّواء" يلتزم الصيدلي (الصانع) "بتقديم وبيع أدوية صالحة وسليمة، ولا تشكل خطرا على حياة المرضى الذين يتعاطونها" ،وبأن يكون المنتج الدوائي ملائم لما صنع من أجله .
إلا أن المنتج الدوائي قد تتمكن خصائصه العلاجية من مواجهة المرض، بينما لا نجد نفس الأثر على مريض آخر فقد "يصاب المريض ببعض الأضرار نتيجة العوامل الداخلية أو الحساسية الخاصة بجسمه ولا دخل للدواء في ذاته
في إحداثها وفي هذه الحالة لا تثور مسؤولية الصيدلي، بينما قد تثور مسؤولية الطبيب الذي وصف الدَّواء دون القيام بالفحص الأولي لجسم المريض للتأكد من مدى قابليته لتعاطي هذا النوع من الدَّواء".
وقد يثور تساؤل عن مسؤولية الصانع تجاه عدم ضمان فاعلية الدَّواء، ويفرق المشرع تجاه هذه الحالة بين ضمان الفاعلية المطلقة، وبين عدم الضرر المطلق من الدَّواء فإن تأكد الضرر قامت المسئولية ضد الصانع، وإن تأكد عدم الضمان المطلق للفاعلية قامت أيضا المسئولية ضد الصانع، بما يجب عليه ضمان حد أدنى من الفاعلية، ودون حدوث ضرر أو خطأ من جانبه، وفي هذا السياق تثور مسؤولية الصيدلي إذا استمر تداول دواءه الذي يحدث آثاراً جانبية معينة إذا ما تم "اكتشاف دواء آخر أكثر فاعلية وأقل إثارة للحساسية، ولا يعفيه من المسئولية سابقة تسجيل الدَّواء أو بمعنى آخر أنه أنتجه بعد موافقة الدولة والمختصين، "وإذا وضعنا في الاعتبار أن الصيدلي بما له من علم ودراية في مجال تخصصه يجب عليه أن يقدم مستحضرا صيدليا خاليا من أي نقص أو شائبة".
كما يلتزم الصانع في هذه المرحلة بعدم مخالفة ما ورد بدساتير الأدوية المصرية، والدساتير الخاصة بدولة المنشأ للأدوية المستوردة، وتلك المصرح بإنتاجها محليا أو الأدوية الخاصة بعد الموافقة عليها وتسجيلها لدى وزارة الصحة عند الصناعة، للحد من مخالفات الصانع لما هو مدون بالسجلات .
ولا يملك الصانع من تلقاء نفسه إجراء أية تعديل في مكونات المنتج أو في خصائصه وإن تأكد له صحة التعديل بناء على أبحاث علمية أجراها أو خلطه لأدوية مختلفة وإن سبق تسجيلها طالما أن الخلط نتج عنه شكلاً جديداً من المستحضرات الصيدلانية لم ترد بالدساتير أو السجلات ففي هذه الحالة عليه أن يتقدم لا لإعاَدة تسجيل الدَّواء بدواء معدل ولكن بتسجيل دواء جديد بمواصفات جديدة، وإذا تم هذا التصرف من الصيدلي البائع بناء على تعليمات الطبيب فإن هذه التعليمات لا تعفي الطبيب أو الصيدلي من المسئولية عند ثبوت الضرر .
ومن أهم الالتزامات على الصانع تلك النشرة الداخلية المرفقة بالدَّواء، والتي تمثل كافة البيانات من حيث تركيب الدَّواء، وخواصه المختلفة، ودواعي، وموانع، وتحذيرات الاستعمال، و أية مخاطر محتملة، وأية آثار جانبية متوقعة، والجرعة المستخدمة، وطريقة الحفظ، والاستعمال، وحجم العبوة، وأن تكون لغة التخاطب بالنشرة واضحة، ومفهومة، ودقيقة، وإن كانت بلغة غير مفهومة انتقل الالتزام بتفسير النشرة الطبية على عاتق الصيدلي البائع والذي لا تعفيه هذه النشرة من توضيح كل ما يراه مهما عند تناول أو استخدام الدَّواء، كما لا يعفي التزام الصيدلي البائع مسؤولية الصيدلي الصانع .
ويلتزم المنتج في هذه المرحلة بإعداد سجل تصنيع لكل تشغيلة يتم إنتاجها، يتضمن اسم المستحضر الدوائي، ورقم التشغيلة، وتاريخ التصنيع، وتفاصيل العمليات الإنتاجية، ورقم التحليل لكل مادة أولية تستخدم في التركيب، وتسجيل الخطوات الرقابية المرحلية المتبعة، والنتائج التي يحصل عليها، وتوقيع المسئول عن العمليات الإنتاجية، وتاريخ توقيعه، وأية أرقام تساعد على استرجاع هذه المعلومات .